محكمة التمييز محكمة الموضوع سلطتها في تقدير التعويض
محكمة التمييز
جلسة 6 من إبريل سنة 2021
الطعن رقم 29 لسنة 2021 تمييز مدني
(1) تعويض “تقدير التعويض” “الضرر: عناصره “. محكمة الموضوع “سلطتها في تقدير التعويض”.
تقدير التعويض عن الضرر. واقع. استقلال قاضي الموضوع به. مناطه. أن يقوم على أساس سائغ مردود إلى عناصره الثابتة في الأوراق، ومتكافئاً مع الضرر غير زائد عليه.
(2) محاماة “أتعاب المحاماة: تقدير أتعاب المحامي”. محكمة الموضوع “سلطتها في تقدير أتعاب المحامي”.
تقدير أتعاب المحامي. الأصل فيه إعمال الاتفاق بين الموكل والمحامي. عدم جواز إهدار ذلك الاتفاق. قصر تدخل القاضي لتعديله على حالة تجاوز نسبة عشرة في المائة من المقضي به المقررة قانوناً (م 37 من ق المحاماة).
(3 ،4) حكم “عيوب التدليل: مخالفة الثابت بالأوراق،الخطأ في تطبيق القانون”.
(3) مخالفة الثابت بالأوراق التي تبطل الحكم ماهيتها تحريف محكمة الموضوع للثابت مادياً ببعض المستندات والأوراق في مسلك إيجابي أو بتجاهلها ما ثبت في هذه المستندات والأوراق في موقف سلبي منها.
(4) قضاء الحكم المطعون فيه بإلزام الطاعنة بأداء المبلغ المحكوم به كأتعاب محاماة مهدراً اتفاق الطاعنة والمطعون ضده والمحرر عنه عقد وما قدمته من مستندات تفيد سدادها للأتعاب المتفق عليها حتى إلغاء الوكالة. مخالفة للثابت بالأوراق جرت للخطأ في تطبيق القانون.
المحكمة
بعد الاطّلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد القاضي المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع – على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق– تتحصّل في أن الطاعنة أقامت على المطعون ضده الدعوى رقم …. لسنة 2015 [مدني كلي]، بطلب الحكم بأن يؤدي لها تعويضاً مقداره ….. ريال على سند من أنها سبق وأن وكلته عنها في دعوى فسخ عقد إيجار مرفوعة ضدها، وأعطته شيكات الأجرة لتسليمها للمؤجر واستبدالها بالشيكات السابق للمؤجر استلامها، إلا أنه لم يفعل مما ترتّب عليه فسخ عقد الإيجار وعدم انتفاعها بالعين المستأجرة، فضلاً عن إبلاغ المؤجر عنها في خصوص الشيكات الأخرى التي كانت بحوزته وقضي بحبسها، بالإضافة إلى قبوله أن يكون وكيلاً عن خصمها. أقام المطعون ضده طلباً عارضاً بإلزام الطاعنة بسداد مبلغ مقداره ….. ريال باقي أتعابه كمحامي، فضلاً عن التعويض. حكمت محكمة أول درجة برفض الدعوى الأصلية والطلب العارض. استأنفت الطاعنة هذا الحكم بالاستئناف رقم …. لسنة 2019، كما استأنفه المطعون ضده بالاستئناف رقم …. لسنة 2020، وبتاريخ ../../2019 قضت المحكمة بتأييد الحكم المستأنف، وأغفلت الفصل في استئناف المطعون ضده. طعنت الطاعنة على هذا الحكم بطريق التمييز بالطعن رقم …. لسنة 2020 وبتاريخ ../../2020 ميّزت المحكمة الحكم وأحالت القضية إلى محكمة الاستئناف، وبتاريخ ../../2020 حكمت محكمة الإحالة بإلغاء الحكم المستأنف وفي الدعوى الأصلية بإلزام المطعون ضده بأن يؤدي للطاعنة مبلغاً أربعمائة ألف ريال، وفي الطلب العارض بإلزام الطاعنة بأن تؤدي للمطعون ضده مبلغ مقداره خمسة وتسعون ألف ريال. طعنت الطاعنة في هذا الحكم بطريق التمييز للمرة الثانية، وإذ عُرض الطعن على هذه المحكمة في غرفة المشورة؛ فحُدّدت جلسة لنظره.
وحيث إن الطعن أقيم على سببين تنعى الطاعنة بالسبب الأول منهما على الحكم المطعون فيه الفساد في الاستدلال والقصور في التسبيب، وفي بيان ذلك تقول: إن محكمة الاستئناف قضت لها بمبلغ أربعمائة ألف ريال على سبيل التعويض عما لحقها من أضرار مادية وأدبية، وأن هذا المبلغ لا يتناسب إطلاقاً مع قيمة الضرر الذي لحق بالطاعنة وما تكبدته من خسائر محققة بالملايين؛ بما يعيبه، ويستوجب تمييزه.
وحيث إن هذا النعي مردود؛ ذلك أن المقرّر – في قضاء هذه المحكمة- أن تقدير التعويض عن الضرر يُعد من مسائل الواقع التي يستقل بها قاضي الموضوع، مادام لا يوجد في القانون نصّ يلزمه باتباع معايير معينة في خصوصه، وكان هذا التقدير قائماً على أساس سائغ مردوداً إلى عناصره الثابتة بالأوراق ومبرراته التي يتوازن بها أساس التعويض مع العلة من فرضه بحيث يكون متكافئاً مع الضرر ليس دونه وغير زائد عليه. لمّا كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد أبان عناصر الضرر التي طرحتها الطاعنة، وقدر التعويض عن تلك العناصر بما ارتآه جابراً لها، وبأسباب سائغة ومعايير منضبطة، فإن النعي عليه في هذا الخصوص لا يعدو إلا جدلاً موضوعياً، فيما لمحكمة الموضوع من سلطة في تقديره، لا يجوز التحدي به أمام هذه المحكمة، ولا تسع له رقابتها، ومن ثم غير مقبول.
وحيث إن الطاعنة تنعى بالسبب الثاني على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون ومخالفة الثابت في الأوراق، وفي بيان ذلك تقول: إن عقد الاتفاق المبرم بينها والمطعون ضده كمحامٍ عنها، قد تم بموجبه تحديد مقدار الأتعاب المتفق عليها، إلا أن الحكم المطعون فيه قضى بإلزامها بمبلغ مقداره …. ريال كأتعاب، رغم سدادها لكامل قيمة الأتعاب حتى قيامها بإلغاء الوكالة؛ بما يعيبه، ويستوجب تمييزه.
وحيث إن هذا النعي في محلّه؛ ذلك أن النصّ في المادة (37) من قانون المحاماة الصادر بالقانون رقم (23) لسنة 2006 على أن: ” تحدد أتعاب المحامي وفقاً للاتفاق المعقود بينه وبين ذوي الشأن، ويجوز أن يتفق على أن تكون قيمة الأتعاب بنسبة لا تزيد على (10%) من قيمة ما يحكم به في الدعوى.”؛ يدلّ على أن الأصل في عقد وكالة المحامي لمباشرة الأعمال الموكل لها، شأنه شأن كافة العقود، أساسه الموئل مبدأ سلطان الإرادة، بما مؤداه أن المعول عليه في حساب قيمة أتعاب المحاماة، مرده الاتفاق المبرم بين المحامي والموكل أو المتعاقد معه، ولا يجوز عدم الاعتداد بهذا الاتفاق، أو الالتفات عنه، وتقدير الأتعاب على أي أساس آخر، إلا إذا تجاوز الحد الأقصى الذي وضعه المشرّع لهذه الأتعاب ومقداره (10%) من قيمة المقضي به في الدعوى موضوع التقدير، فإن القاضي يرده لهذه النسبة دون زيادة أو نقصان. وكان من المقرّر أن مخالفة الثابت في الأوراق التي تبطل الحكم هي كما تكون بتحريف محكمة الموضوع للثابت مادياً ببعض المستندات والأوراق، أو ابتناء الحكم على فهم حصلته المحكمة مخالفاً لما هو ثابت بأوراق الدعوى من وقائع ولم تكن محل مناضلة من الخصوم. بما يوصف بأنه مسلك إيجابي منها تقضي فيه على خلاف هذه البيانات، فإنها تتحقق أيضاً من الموقف السلبي من المحكمة المتمثل بتجاهلها لهذه المستندات والأوراق وعدم الاعتداد بما هو ثابت فيها، والقضاء بما يناهضها. لمّا كان ذلك، وكان الواقع في الدعوى أن العقد المبرم بين الطاعنة والمطعون ضده بتاريخ ../../2006 اتفق الطرفان بالبند الخامس منه على أن تكون مدته سنة ميلادية تنتهي في ../../2007 تتجدد تلقائياً ما لم يخطر أحدهما الآخر قبل انتهاء المدة بشهرين على الأقل بعدم رغبته في التجديد، وقد حددا بالبند السادس من العقد قيمة الأتعاب بمبلغ ….. ريال شهرياً تدفع مقدماً، فضلاً عن نسبة (5%) من قيمة الدعاوى التي قد يتم تكليف المطعون ضده بها، وإذ كانت الطاعنة – بما لا خلاف عليه بين الطرفين- قد قامت بإلغاء الوكالة بتاريخ ../../2007، وقدمت ما يفيد سدادها للأتعاب بشيكات مذيلة بتوقيع للمطعون ضده باستلامها، حتى شهر …. 2007، بما مؤداه أنها قد أوفت بالتزاماتها حتى إلغاء الوكالة، إلا أن الحكم المطعون فيه قضى بإلزام الطاعنة بأداء المبلغ المحكوم به كأتعاب محاماة، ودون أن يستند إلى أي أساس آخر لهذه الأتعاب، فإنه يكون قد خالف الثابت بالأوراق الذي جره للخطأ في تطبيق القانون.