أحكام قضائيةمحكمة التمييز القطرية

تمييز الحكم لتفسيره الخاطئ لبنود التعاقد او الاتفاق

محكمة التمييز القطرية الطعن رقم 623 لسنة 2019

جلسة 14 من يناير سنة 2020

(1 – 3) بطلان “بطلان الأحكام”. عقد “آثار العقد: نسبية أثر العقد: الاشتراط لمصلحة الغير”. محكمة الموضوع “سلطتها في تفسير صيغ العقود والاتفاقات”. تمييــز “سلطــة محكمــة التمييز”. حكـــم “بطلان الحكــم” تسبيبه: عيــوب التدليل:
الخطأ في تطبيق القانون، القصور في التسبيب”.

(1) الاشتراط لمصلحة الغير. ماهيته. شروطه. المادتين: (179) و(180) [مدني].

(2) محكمة الموضوع. لها السلطة التامّة فـي تفسير صيغ العقود والاتفاقات وسائر المحررات والشروط المختلف عليها واستخلاص ما تراه أوفى بمقصود العاقدين واستظهار النية المشتركة لهما. شرطه. ألا تخرج عن المعنى الظاهر لعبارات المحرر دون التقيد بما تفـيده عبارة معينة، بل ما تفـيده عبارات المحرر بأكملها وظروف إصداره وأن تقيم قضاءها على أسباب سائغة لها أصلها الثابت فـي الأوراق. خضوعها في ذلك لرقابة محكمة التمييز.

(3) تفسير الحكم المطعون فيه الخاطئ لالتزام وارد بمذكرة التعاون المبرمة بين الطاعن والمطعون ضدها الثانية بتحويل مبلغ لطرف أجنبي عن الاتفاق بأنه اشتراط لمصلحة الغير وتأسيسه على ذلك، قضاؤه بإلزام الطاعن بالتضامن بأداء كامل مبلغ المطالبة بما يتجاوز المبلغ المتفق عليه. خطأ وقصور مبطل.

(4) دعوى “الخصوم في الدعوى” “مصروفات الدعوى”.

الخصم الحقيقي. مقصوده. توجّه إليه الطلبات في الدعوى أو يعترض سبيلها منازعاً فيها أمامه. الخصم غير الحقيقي. عدم تحميله مصاريفها.

المحكمة

بعد الاطّلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد القاضي المقرر والمرافعة، وبعد المداولة:

حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.

وحيث إن الوقائع- على مايبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق-تتحصل في أنّ المطعون ضدها الأولى أقامت الدعوى رقم …. لسنة 2016 [مدني كلّي] بطلب إلزام الطاعن والمطعون ضدهما الثانية والثالثة بأن يؤدوا لها مبلغ …. ريال مع التعويض، على سند من القول: إنه بموجب عقد مقاولة من الباطن بتاريخ ../../2011 أسندت المطعون ضدها الثانية باعتبارها المقاول الرئيسي للمشروع للمطعون ضدها الأولى أعمال تصميم وتوريد وتركيب الأعمال الكهربائية والميكانيكية بمشروع ….بجزيرة …..، وأثناء أعمال التنفيذ أسندت المطعون ضدها الثانية مستحقاتها إلى البنك الطاعن الذي أصبح له سلطة الإدارة والإشراف المباشر على كامل المشروع بما في ذلك سداد المستحقات، إلا أنهما امتنعا أخيراً عن سداد المستحقات التي بلغت مبلغ المطالبة ،مما ألحق بها ضرراً فــــادحاً فأقــامت الدعــــــوى.  حكمت المحكمة بتاريخ../../2019  بإلزام المطعون ضدّها الثانية -المقاول الأصلي – بأن تؤدي للمطعون ضدّها الأولى – المقاول من الباطن – مبلغ …. ريال. استأنفت المطعون ضدها الأولى هذا الحكم برقم …. لسنة 2019، وبتاريخ ../../2019 حكمت المحكمة بتعديل الحكم المستأنف، وإلزام الطاعن والمطعون ضدها الثانية بأداء نفس المبلغ بالتضامن. طعن الطاعن في هذا الحكم بالتمييز، وإذ عُرض الطّعن على هذه المحكمة -في غرفة المشورة- فحُدّدت جلسة لنظره.

وحيث إنّ الطعن أقيم على سببين ينعى بهما الطّاعن على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون والقصور في التسبيب والفساد في الاستدلال والإخلال بحق الدفاع، وفي بيان ذلك يقول: إنّ الحكم المطعون فيه خالف أحكام المواد: (179)،(180)،(181) من القانون المدني، ذلك أن مذكرة التعاون المبرمة بين الطاعن والمطعون ضدها الثانية، إنما هي عبارة عن اتفاق يتضمّن تسهيلات ائتمانية لصالح المذكورة أخيراً، وليس فيه ما يدلّ على الاشتراط لمصلحة المطعون ضدها الأولى التي تبقى من الغير، وليس لها أن تستفيد منه إلا في إطار الاشتراط لمصلحة الغير الذي لم يثبت، وبالرغم من تمسّك الطاعن بذلك واعتراضه على أعمال الخبير في تناوله لمسائل قانونية بتكييف العلاقة التعاقدية بين الطاعن والمطعون ضدها الثانية واعتماده على صور ضوئية مجحودة من مذكرة التعاون وإتمامه أعمال الاختبار دون حضوره، إلا أنّ المحكمة تجاوزت هذا الدفاع وأخذت بأحكام الاشتراط لمصلحة الغير لإلزام الطاعن بالأداء بالتضامن مع المطعون ضدها الثانية؛ ممّا يعيب الحكم المطعون فيه، ويستوجب تمييزه.

وحيث إنّ هذا النعي في محلّه؛ ذلك أنّ النصّ بالمادة (179) من القانون المدني على أنه: “يجوز للشخص، في تعاقده عن نفسه، أن يشترط على المتعاقد معه التزامات معينة يتعهّد بأدائها للغير، إذا كان للمشترط في تنفيذ هذه الالتزامات مصلحة مادية أو أدبية. ويجوز في الاشتراط لمصلحة الغير أن يكون المستفيد شخصاً مستقلاً، أو أن يكون شخصاً غير معيّن بذاته عند الاشتراط إذا كان من الممكن تعيينه عند الوفاء بالالتزام المشترط.”، وأنّ النصّ بالمادة (180) من نفس القانون على أنه: “يترتّب على الاشتراط لمصلحة الغير أن يثبت للمستفيد في ذمة المتعهد حق شخصي يستأديه منه مباشرة، وذلك ما لم يتفق على خلافه. ويجوز للمشترط أن يطالب المتعهد بأداء الحق المشترط للمستفيد، ما لم يتبين من العقد أن ذلك مقصور على المستفيد وحده.” ،ممّا مفاده أنّ الاشتراط لمصلحة الغير، باعتباره استثناء للأثر النسبي للعقد، يتوقّف على توفر عاقة ثلاثية: المشترط والمتعهّد والمنتفع، ولا يقوم الاستثناء إلاّ أن يتضمّن الاتفاق بين المشترط والمتعهد اشتراط حق مباشر للمنتفع، ولا يكفي أن يتضمن العقد إشارة لحق الغير، بل يجب أن ينشأ حق الغير مباشرة من هذا العقد. فالذي يحصل في الاشتراط لمصلحة الغير أن يتّفق المشترط مع المتعهد باسمه لمصلحة شخصية لتنفيذ المتعهد الالتزامات المتعاقد عليها نحو المنتفع دون أن يدخل هذا الأخير طرفاً في العقد، ويكون هذا العقد مصدر الحقّ المباشر للمنتفع. ولا يقوم الاشتراط لمصلحة الغير صحيحاً إذا اشترط المتعاقد حقّاً لنفسه ثمّ لينقله بنفسه أو بواسطة إلى الغير. والمقرّر -في قضاء هذه المحكمة- أن لمحكمة الموضوع السلطة التامة في تفسير صيغ العقود والاتفاقات وسائر المحررات والشروط المختلف عليها واستخلاص ما تراه أوفى بمقصود ذوي الشأن واستظهار النية المشتركة لهم شريطة أن لا تخرج عن المعنى الظاهر لعبارات المحرر دون التقيد بما تفيده عبارة بعينها من عباراته، بل يجب عليها مراعاة ما يستخلص من جماع عباراته وظروف إصداره مع الاستهداء بطبيعة التعامل وما ينبغي أن يتوافر من أمانة وثقة بين ذوي الشأن، وفقاً للعرف الجاري في المعاملات، وأن تقيم قضاءها على أسباب سائغة وكافية لحمله مستمدة مما له أصل ثابت في الأوراق، وأنّ تكييف العقود وإنزال حكم القانون عليها يخضع لرقابة محكمة التمييز. لمّا كان ذلك، وكان الثابت من صورة مذكرة التعاون المؤرّخة في ../../2014 المبرمة بين الطّاعن والمطعون ضدّها الثانية أنّها نصّت بالمادة (14) على سرية المعاملة، وحظرت على أطرافها إفشاء أي معلومة تخصّها، وتضمنت بالمقدمة إشارة إلى تسهيلات ائتمانية مقدّمة للمطعون ضدها الثانية بالشروط التي وضعها البنك الطاعن، وهي ضرورة تدخل بعض الأطراف لضمان القرض، وتضمّن البند الثامن من المذكرة أن يحوّل البنك من مبلغ التسهيلات الائتمانية الإضافية مبلغ ….. ريال لمكتب”….”ليحوّله بدوره لشركة يتمّ تسميتها خطيّاً من قِبَل الشريك الأجنبي بالشركة المقترضة من خلال مكتب”…..” للمحاماة، وذلك ليكون بمقدور المقترض (أي المطعون ضدها الثانية) دفع المبالغ الخاصة بالتسوية مع الشركة المطعون ضدها الأولى، وذلك لأجل إسقاط البلاغ المقدّم لشرطة العاصمة رقم …./ 2013 دعوى جزائية رقم ….. ، وهو ما تمّ تنفيذه فعلاً من البنك الطّاعن، وبالتالي لا يمكن تفسير الشرط الوارد بالمذكرة على أنه اشتراط لمصلحة الغير، بل هو مجرد التزام محمول على البنك الطّاعن بتحويل ذلك المبلغ من حساب التسهيلات الإضافية إلى مكتب محاماة لتسوية موضوع البلاغ، وليس في ذلك تعهد مباشر للمطعون ضدها الأولى، كما ليس في ذلك ما يفيد تعهد البنك بدفع كامل مستحقات المطعون ضدها الأولى وبدون سقف، إذ يتعارض ذلك مع واجب السرية المشار إليه بالمادة (14)، فما حملته مذكّرة التعاون هو الاتفاق على جملة من التسهيلات الائتمانية لصالح المطعون ضدها الثانية موقوفة على مصادقة المقرض وما حوّله البنك الطاعن لمكتب المحاماة إنما هو مبلغ من التسهيلات لتسوية النزاع المنظور أمام القضاء ولا سلطان للغير على بقية التسهيلات، فهو مجرد عقد تسهيلات ائتمانية لصالح المطعون ضدها الثانية. وإذ فسّر الحكم المطعون فيه البند الثامن من المذكرة خطأ باعتبار تحويل البنك لهذا المبلغ إلى المطعون ضدها الأولى تنفيذاً لاشتراط لمصلحة الغير، وألزمه بالتضامن بأداء كامل مبلغ المطالبة بما يتجاوز أصلاً قيمة التحويل المتفق عليه، فإنه بذلك يكون قد استخلص من هذا البند مالا يمكن أن يؤدي إليه مدلول عباراته، وقد جرّه ذلك إلى الخطأ في تكييف العلاقة التعاقدية بين الطاعن والمطعون ضدها الثانية، وإذ أقام الحكم قضاءه في إلزام البنك الطاعن بالمبلغ المحكوم به بالتضامن مع المطعون ضدها الثانية بناءً على هذا التكييف الخاطئ، فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون ،فضلاً عن قصوره في التسبيب، بما يبطله، ويوجب تمييزه.

وحيث إن الاستئناف صالح للفصل فيه، ولما تقدّم، ولمّا كان الحكم الابتدائي قد اعتبر المطعون ضدها الأولى من الغير في اتفاق التعاون دون أن يتضمن هذا الاتفاق اشتراطاً لمصلحته ورتّبت الأثر بإلزام المطعون ضدها الثانية فقط بالأداء، والأصل العام؛ طبقاً لحكم المادتين: (175) و(177) من القانون المدني-وعلى ما جرى به القضاء بهذه المحكمة- أن آثار العقد تنصرف إلى المتعاقدين والخلف العام ولا يترتّب عنه التزامٌ في ذمة الغير أو اكتساب حقّ في غياب الاشتراط لمصلحة الغير، فإنه يتعيّن إلغاء الحكم المطعون فيه جزئيّاً فيما قضى به من إلزام البنك الطاعن بالتضامن مع المطعون ضدها الثانية، والقضاء من جديد في موضوع الاستئناف رقم …. لسنة 2019 برفضه بالنسبة إلى المستأنف ضده الثاني (الطاعن)، وتأييد الحكم المستأنف.

وحيث إنّه من المقرر-في قضاء هذه المحكمة- أن الخصم الحقيقي هو من تُوجّه إليه طلبات في الدعوى أو يعترض سبيلها منازعاً فيها، أما من يختصم ليحكم في مواجهته دون أن تُوجّه إليه طلبات ولم يدفع الدعوى بما يعترضها، فلا يعد خصماً حقيقياً، ولا يتحّمل المصاريف. وكانت المطعون ضدّها الأولى هي الخصم الحقيقي، أما البقية فلم توجّه إليهما أيّة طلبات، ويتعيّن بالتالي إلزامها بالمصاريف دون البقية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى